الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

منال


ها أنت الآن تمسك بالقلم محاولاً الركض به في الصحاري البيضاء التي أمامك ، سوف تكتب روايتك الجديدة ، الجميع بانتظارها بعد أن حققت روايتك الأولى انتشار واسع وصدى كبير بين المثقفين والأدباء داخل البلد وخارجها ، وبين أصحابك وزملائك في العمل وفي قريتك الصغيرة أيضا .
لم تكن تتوقع لروايتك الأولى كل ذلك الانتشار والإعجاب وتهافت الجميع للحصول عليها وقراءتها لأكثر من مرة ، كانت أيام جميلة ومهمة في حياتك ، خلالها عشت طعم النجاح والتألق كنجم في السماء ، تعرفت على الكثير من الكتاب والأدباء والمثقفين ، وبدأت تشعر بأن الفرح يفتح لك ذراعيه ، حبيبتك منال قد عادت إليك بعد أن خاصمتك بسبب انشغالك الدائم عنها في كتابة روايتك الأولى وشكها في مدى حبك لها ، لكنها عادت بعد ما أدركت أهمية الوقت الذي كنت تقضيه في المنزل للكتابة ، وبعد النجاح الكبير الذي حققته الرواية وبروز اسمك كواحد من أهم الروائيين في البلد .
تتذكر اليوم الذي رأيت فيها منال بعد ابتعادها عنك ، فاجأتك بمجيئها وجلوسها في مقدمة الحضور خلال جلسة نقدية حول روايتك الأولى ، فبرغم من انتفاخ بالون الغضب بداخلك بسبب الانتقادات التي كانت توجه لك من بعض الكتاب والنقاد الحاقدين والغيورين من نجاحك السريع ، إلا أن ثقتك بنفسك وبنجاح روايتك قد ازدادت بداخلك عندما رأيتها ، فأكملت الجلسة بنرجسية أكثر .
لقد نضجت لديك حرفية الكتابة الروائية واستفدت كثيرا من تجربتك الأولى وأصبحت تعرف المواضيع التي تشغل الناس وتعبر عنهم ، لذا أصبحت لديك ثقة كبيرة داخل قرار نفسك ، بأن روايتك الجديدة سوف تحقق نجاحاً وانتشاراً أكبر من الأولى وبأن الجميع سوف يتهافت لشرائها ، وأن الكثير من وسائل الإعلام بمختلف أشكالها سوف تسعى إلى إجراء الكثير من اللقاءات معك ، هذا ما حصل بالفعل في روايتك الأولى .
الآن وخلال بداية رحلتك في كتابة روايتك الجديدة ، بدأت تتخيل موقف الكثير من الكتاب الحاقدين الذين سوف ينتقدوك في مقالاتهم الصحفية ، لكنك لا تهتم بما يكتبون وما يقولون ما دام الكثير من القراء يحب روايتك ، ويسعون إلى اللحاق بك في أي مكان كي يحصلوا على توقيعك ، خاصةً السوداوات ، موقف إحداهن ما زلت تتذكره ، فبينما كنت تجلس في إحدى المقاهي الراقية برفقة أحد أصدقائك ، فاجأتك إحداهن وطلبت منك أن توقع لها على روايتك الأولى والتي كانت تحملها بين يديها الجميلة كحمامة تحتضن في فمها وردة حمراء ، أعطتك الرواية مع قلمها الوردي وطلبت منك أن تكتب لها عبارة " بكل ما تحمله روايتي من معاناة الأمل .. أحبك " كتبت لها ما طلبت مع أنه دائما الكاتب هو الذي يكتب ما يريده على كتاباته عندما يوقع لأحد القراء ، أعدت إليها الرواية وسألتها عن أسمها قالت : أمل ، حينها رايتها تعيد إليك الرواية مرة أخرى ثم قالت لك :
- لن أجد هدية أهديها لك أجمل من الكلمات التي اخترتها أنا وخطتها أنامل يدك بقلمي الوردي كي تتذكرني دائما ، فانا لدي نسخة أخرى منها ومع أختي الصغرى كذلك وعند معظم صديقاتي .
قال لك صديقك الذي كان يشاهد هذا الموقف بإندهاش :
-كم أنت مشهووووور يا عزيزي .
عندما تتذكر ذلك الموقف تضحك مع نفسك ، وتزداد تفاخراً وغرور ..
- يا لغرابة هؤلاء السوداوات !! (قلت).

تكتب روايتك الجديدة وحبيبتك منال بعيدة عنك الآن ، هي لن تشاركك هذه المرة نجاحها ، ولن تحضر الجلسات النقدية للرواية ، ولن تتابع حواراتك في الإذاعة والتلفزيون ، ولن تشتري كل المجلات والصحف التي تجري اللقاءات معك ولن تقص صورك منها ، ولن تغار من الكاتبة التي تظهر علامات إعجابها بك في مقالاتها بإحدى المجلات الثقافية ، منال طارت مع عريسها زكريا إلى سيدني ، حيث يكمل دراسته هناك ، فما زلت تتذكر عندما أتت لتخبرك بأن ثمة شاب يدعى زكريا تقدم لخطبتها وان أهلها يحاولون بإصرار إقناعها بالموافقة عليه لإعجابهم الشديد فيه وبسبب بعض العادات الجائرة لدبهم ، يومها قلت لها :
- تعلمين كم أنا أحبك ولكن لدي الكثير لأحققه قبل الارتباط بقيد الزواج ، الكتاب لا يتزوجون إلا عندما يتعدون الثلاثين من عقدهم ، الكتاب لديهم شهية كبيرة في الحب أكثر من شهيتهم في الزواج ، فهل انتظرتني لسنوات قليلة قادمة ، أكون وقتها قد بلغت مراتب الكتاب الكبار .. وتكونين أنت زوجة الكاتب الكبير ..... أنا لا أريد أن أكون كالآخرين أتزوج هذه السنة ليأتيني مولود يزاحمني حياتي في السنة القادمة ، لدي الكثير لأفعله وأتعلمه ، أنا حتى الآن مثلاً .. لم أتعلم بعد تدخين السيجارة، فهي مهمة جداً لطقوس الكتابة ومهمة أيضاً لمجالسة الأدباء والكتاب والمثقفين في جلساتهم على المقاهي .
ثم قلت لها بعصبية مصطنعة :
- هل رأيتِ كم هناك أشياء يمكن أن يفعلها الكتاب غير دفن رؤوسهم في حضن امرأة جميلة والتقلب في سرير حريري ؟ .. قالت لك :
- أناني .. حقير .. كم أكرهك .. قلت لها :
- كم أحبك وأجمل ما في الحب مفاجآت الفراق !!.
ظننت بعد ذلك اليوم بأن لديك القدرة على التخلص من عباءة حبك لمنال ، وأن موهبتك الفذة في الكتابة كفيله وحدها بأن تجعلك تغرد خارج حدود السرب الذي يغرد فيه الآخرون ، وكفيلة بان تجعلك تسبح في فضاء خارج مجرتنا المملة والكئيبة ، ولكنك بعد مرور سنة تقريبا على فراقكم ، تجد نفسك تحاول ارتدائها مرة أخرى ، وأن الكتابة دونها ليس إلا كمن يكتب في رمال الشاطئ ستمحوها أيادي الموج مع مرور الوقت ، وأن تحليقك وحيداً لن يكون علويٌ أبداً بل هو سقوط في قاع الأرض كمطر الصيف ، فها هي خيوط روايتك الجديدة تمتد إليها بل تستعيدها وتقربها منك ، أنت الآن على أبواب كتابة رواية واقعية بينما روايتك الأولى هي مزيج بين الواقع والخيال ، لم تكن تتوقع يوماً منذ فراقها بأنك سوف تكتب عن حبك لمنال ، وان شعورك نحوها هو الحب بعينه ، نعم انه الحب ، وإلا لما أنت الآن وبعد أن أصبحت في أحضان غيرك تحاول أن تعيد شريط أيامك معها .
- آآه كم أفتقدك يا منال (قلت)
أصبحت الآن تردد هذه العبارة دائماً عندما شعرت بأن الحزن قد بدء يفتح لك فمه الكبير ، ما زلت تتعذب برحيلها منذ إحدى عشر شهر وسبعة أيام هكذا حسبتها ، تاريخ رحيلها لا يزال عالقاً في ذاكرتك ، في ليلة موعدها مع الفستان الأبيض ، كنت تسهر مع بعض الأصدقاء في جلسه عبثية ليس إلا ، ليلتها لم تشعر بفقدانها أبداً ، كنت تعتقد بأنها قد خسرت حب رجل استثنائي في هذه الحياة ..
- (تسأل نفسك الآن ) هل أنا رجلٌ استثنائي حقاً ؟!! .
مولودتك الجديدة محفورة في ذاكرتك منذ رحيلها ، ولم يبقى إلا أن تمطرها على الصحاري البيضاء التي فوق مكتبك ، فهذه المرة سيكون قرائك على موعد مع قصة واقعية هي قصة حبك لمنال ، لكنك في بعض الأحيان تتردد في كتابتها ، كتابتك هذه المرة كمن يحفر قبره بيده ، ماذا لو قراء زكريا روايتك هذه وعرف قصة حبك لزوجته وتعلقك الشديد بها حتى الآن ، ماذا سوف يفعل ؟ هل سيصمت أم سوف يعترض طريقك وأنت عائد إلى المنزل ويرمي الرواية في وجهك ويلقي عليك الشتائم ، أم سيهاجمك في إحدى الجلسات النقدية ويرميك بإحدى الكراسي الحمراء ، أم سيأتي إلى مكتبك ويقلب عليك الطاولة ... هكذا تحاول أن تتخيله عندما يقرأ روايتك ..
- آآه هكذا هم الرجال يصبحون ثيران هائجة عندما يتعرض أحد لشرفهم (قلت) .
قررت بان لا تصرح باسم منال في روايتك القادمة ، فكرت أن تستعير عنها باسم آخر كليلى أو بثينه أو لبنى أو أي اسم أخر كما يفعل الشعراء في هذه الأيام خوفا من معرفة الناس لحبيباتهم ، لكنك لم تستطع ذلك ، فمنذ أن طرقت بابك فكرة كتابة قصتك مع حبيبتك منال أسميتها باسمها " منال " ، نعم عنوان روايتك الجديدة منال ، وتعتقد أن الاستعارة باسم آخر هو إجهاض في حق حبك وفي وحق صاحبة القصة الحقيقية .
- أنا روائي موهوب استطعت جذب القراء منذ روايتي الأولى ، وروايتي الجديدة منال هو عمل أدبي لا يعني زكريا في شيء وليس له الحق فيما سيفعله ، وأيضا لا يعني منال التي سوف تخاف على مستقبل زواجها بعد صدور الرواية ، ما حصل هو قصة واقعية لا تستطيع منال إنكارها وحدثت قبل زواجها ، وحتى فصول روايتي بعد زواجها ليس لأحد أي حق عليّ فهي مشاعري التي أكنها وأحلامي التي تمنيتها . وانه لشرف كبير لأحد أن يكون من ضمن شخصيات روايتي ، فما حققته من نجاح وما سأحققه من خلال روايتي هذه لم يستطع أحد قبلي تحقيقه بهذه السرعة (قلت لنفسك مبرراً محاولاً استعادة نرجسيتك الضائعة).
أخيراً انتهيت من كتابة روايتك "منال" بعد معاناة كبير مع ذاكرتك المتعبة المليئة بالجروح والأحزان ومع دموعك التي هطلت على الأوراق أثناء الكتابة ومع نوبات الغضب التي انتابتك في بعض الأحيان والتي تنتهي في كثير من الأحيان بالبكاء كطفل أفاق من نومه ولم يجد أمه بجانبه .
أصبحت الآن ذاكرتك وأحزانك ودموعك وحبك بين يديك في هذه الأوراق التي تمسك بها بعد أن أكملت مشوار رحلتها طوال الليالي الماضية ، قلت وأنت تضعها في الأدراج :
- يا لغرابة أدراجي هذه ، مثلما خبأت بها رسائل غرام منال وبطاقات التهاني وورودها المعطرة الذابلة داخلها الآن ، ها هي الآن تخبي أحزانها وآلامها ، ليت قلبي مثل أدراجي يحتفظ بالحب والحزن معاً ، ولكننا نحن كطبيعة بشرية دائما تنساب الأفراح من داخلنا وتتسرب الأحزان بدلها .
بعد سنوات نسيت أن تعدّها ما زلت روايتك "منال" حبيسة أدراجك ، لقد حكمت عليها بالسجن المؤبد ومن ثم الإعدام عندما تستطيع تنفيذه، بسبب موت منال وزوجها وأبنها الصغير في حادث سير بعد يومين من عودتهم للبلاد ، فأثناء محاولتك المؤلمة لإكمال فصل الرواية والأخير بعد موتها ، قررت اعتزال الكتابة نهائيا ، واعتبرت صدور روايتك كأنك تحفر في قبر منال .. لذا ظلت منال رواية لم تكتمل .


الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

ما الذي أخافني ؟!


ما الذي أخافني ؟!!
لا أسمع لا أرى شيئا
سوى صوت خطواتي
ظلام الليل دامس
الخوف بداء يتسلل بداخلي
لا ارى احدا .. لا اسمع صوتا ولا همسا
أسمع صوت نباح كلاب
الخوف يزداد أكثر
لم أخرج من قبل وحدي
لماذا خرجت لاادري
صوت نباح الكلاب يزداد
كلما ابتعدت عن البيت أكثر
والخوف يزداد أكثر وأكثر
لو كنت لا اسكن القريه
لقلت أنها مهجورة
الغريب الذي سيأتي
سيضن أنها مسحورة
أقتربت من المسجد قد أجد معتكفا
لا نعال أمام الباب
كلب من الطريق يعبر
والخوف ازداد اكثر
بسرعة هممت العوده
أنظر خلفي بعد كل خطوة
كلما اقتربت من بيتي
صوت الكلاب تدريجيا يختفي
وبداء يقل خوفي
ووصلت الى باب بيتي
وقفت عنده ونظرت خلفي
حينها سألت نفسي
لما كان يزداد خوفي
حينما أبتعد عن باب بيتي